ما هو مرض الهيموفيليا؟ وما هي أسبابه وعلاجه؟
"هل سمعت من قبل عن مرض الهيموفيليا؟" على الرغم من أن هذا المرض قد يكون غير معروف للبعض فإنه من اضطرابات الدم الوراثية الشائعة، ففي عام 2021 أبلغت الإحصاءات أن ما يقرب من 234 ألف شخص مصابون بالهيموفيليا في جميع أنحاء العالم، وقد يساعد معرفة أعراض هذا الاضطراب في وقت مبكر على تجنب مضاعفاته والتعايش معه، وسنركز من خلال المقال على توضيح أهم الأعراض المرتبطة بالهيموفيليا وكيفية تشخيصه وعلاجه.
ما هو مرض الهيموفيليا؟
تجلط الدم هو عملية حيوية ومهمة للغاية لحماية الجسم من مخاطر النزيف. في الطبيعي عندما يُصاب أحد الأوعية الدموية تعمل بروتينات خاصة في الدم تسمى "عوامل التخثر " للسيطرة على فقدان الدم عن طريق سد أو ترقيع الإصابة.
الهيموفيليا هو اضطراب نزيف وراثي، والأشخاص المصابون به لديهم مستويات أقل من الطبيعي من عوامل التخثر، لذا لا يتجلط الدم لديهم بصورة طبيعية، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بمخاطر النزيف بعد الإصابات والعمليات الجراحية أو النزيف الداخلي.
في حالات الهيموفيليا الشديدة، يحدث النزيف المستمر بعد صدمة طفيفة أو حتى عندما لا تكون هناك إصابة واضحة، ما يُعرف بالنزيف التلقائي.
نوبات النزيف الداخلي هي واحدة من المشكلات الرئيسية التي يواجهها معظم المصابين بالهيموفيليا، وعادةً ما تحدث في المفاصل.
ما هي أسباب مرض الهيموفيليا؟
الهيموفيليا هي حالة وراثية تحدث في العائلات، ولكن هناك حالة واحدة من كل 3 حالات تظهر في عائلات ليس لها تاريخ سابق للإصابة، نتيجة طفرة جينية عشوائية.
تنتج الهيموفيليا عن طفرة تحدث في أحد الجينين F8 و F9 اللذين يصنعان عوامل تخثر الدم. تؤدي الطفرات في هذه الجينات إلى إبطاء عملية تخثر الدم.
يُوجد نوعان من الهيموفيليا، ويؤدي التغيير في جين F8 الذي يصنع عامل تخثر الدم الثامن إلى الهيموفيليا A، بينما تتسبب الطفرة في جين F9 المسؤول عن تكوين عامل تخثر الدم التاسع في الهيموفيليا B. تُوجد هذه الجينات على كروموسوم X، وهو أحد الكروموسومات الجنسية (X و Y).
لتوضيح كيفية الإصابة بالهيموفيليا سنوضح أولً كيف يرث الجنين الكروموسومات الجنسية:
يتلقى الجنين مجموعة واحدة من الكروموسومات من الأم وأخرى من الأب، فإذا حصل على كروموسوم X من الأم وكروموسوم X من الأب، فإن الجنين يكون أنثى، وإذا حصل على كروموسوم X من الأم وكروموسوم Y من الأب فإن الجنين يكون ذكرًا.
الذكر (XY) لديه كروموسوم X واحد فقط، لذا بمجرد حدوث طفرة في أحد الجينين F8 و F9 فإنه يُصاب بالهيموفيليا، بينما لدى الأنثى (XX) اثنان من الكروموسومات X، وبالتالي لديها نسختان من هذه الجينات، فإذا حدث تغيير في نسخة منهما تظل الأخرى طبيعية. عادةً ما يكون وجود نسخة طبيعية واحدة من الجين كافيًا للسيطرة على النزيف.
الرجال الذين يحملون الطفرة الجينية، وبالتالي لديهم الهيموفيليا سوف ينقلونه إلى بناتهم ولكن ليس لأبنائهم. ويُقال إن هؤلاء البنات "يحملنّ" الطفرة، وقد يكون لديهنّ أعراض الهيموفيليا أو لا، وذلك لأن لديهنّ كروموسوم X طبيعي آخر، لذا فإن الهيموفيليا أكثر شيوعًا في الذكور.
يمكن للإناث أيضًا أن ترث الهيموفيليا، ومع ذلك، هذا نادر، ولحدوث ذلك يكون الجين المصاب في كلا كروموسومات X ، أو يكون الجين المصاب في كروموسوم X واحد، ويكون غير نشط أو مفقود في الآخر.
ما هي أعراض مرض الهيموفيليا؟
هناك ثلاثة مستويات من الشدة للهيموفيليا: خفيفة ومتوسطة وشديدة. يعتمد مستوى الشدة على مستوى عامل التخثر في دم المريض.
في الحالات الخفيفة، يواجه المريض الأعراض التالية:
- سهولة حدوث الكدمات أو التجمعات الدموية.
- نزيف بعد جراحة الأسنان أو غيرها من الإجراءات الجراحية أو الإصابات.
قد لا تظهر الأعراض على المرضى الذين يعانون من الهيموفيليا الخفيفة حتى سن البلوغ.
في الحالات المعتدلة من الهيموفيليا، قد يعاني المريض من:
- نزيف الأنف التلقائي والمفاجئ.
- نزيف من الفم أو اللثة.
- حدوث الكدمات بشكل مفرط.
- وجود دم في البول أو البراز.
- نزيف بعد العمليات الجراحية أو الصدمات.
يمكن للأطباء تشخيص الحالات المعتدلة في الوقت الذي يبلغ فيه المريض 5 أو 6 سنوات.
في حالات الهيموفيليا الشديدة، قد يعاني الشخص من:
- نزيف حاد بعد الإجراءات الجراحية.
- نزيف داخلي تلقائي غالبًا في العضلات أو المفاصل، ما يؤدي إلى الألم والتورم، ودون علاج قد يحدث التهاب دائم في المفاصل المصابة.
- نزيف في الدماغ، نادرًا ما يُصاب الأشخاص المصابون بالهيموفيليا الشديدة بنزيف في الدماغ، والذي قد يتسبب في حدوث صداع مستمر أو ازدواج في الرؤية أو شعور بالنعاس الشديد. إذا كنت مصابًا بالهيموفيليا ولديك هذه الأعراض، فاطلب المساعدة الطبية فورًا.
يمكن للأطباء في كثير من الأحيان تشخيص الحالات الشديدة لدى الأطفال الرضع.
أعراض الهيموفيليا عند الأطفال
في بعض الأحيان، يُشخص الأطفال الذكور عند الولادة بالهيموفيليا لأنهم ينزفون أكثر من المعتاد بعد عملية الطهارة أو الختان. في أوقات أخرى، تظهر الأعراض على الأطفال بعد بضعة أشهر من ولادتهم. تشمل الأعراض الشائعة ما يلي:
- النزيف: قد ينزف الرضع والأطفال الصغار من أفواههم بعد إصابات طفيفة، مثل اصطدام أفواههم بلعبة.
- نتوءات متورمة على رؤوسهم: غالبًا ما يُصاب الرضع والأطفال الصغار الذين يتعرضون لصدمة، بكتل مستديرة كبيرة على رؤوسهم.
- التهيج أو رفض الزحف أو المشي: قد تحدث هذه الأعراض إذا كان الأطفال الرضع والصغار يعانون من نزيف داخلي في العضلات أو المفصل. قد يكون لديهم كدمات في مناطق على أجسامهم تبدو منتفخة، أو تكون دافئة ومؤلمة عند لمسها.
- الورم الدموي: وهو كتلة من الدم المتجمد الذي يتجمع تحت جلد الرضع أو الأطفال الصغار، وعادةً ما يصابون بها بعد الحقن والصدمات.
هل تُصاب النساء بأعراض الهيموفيليا؟
نعم، لكن هذه الأعراض تميل إلى أن تكون خفيفة. على سبيل المثال، قد لا يكون لدى المرأة التي تحمل الطفرة الجينية للهيموفيليا عوامل تخثر غير كافية. عندما يحدث ذلك، قد يكون لديها دورات شهرية غزيرة بشكل غير عادي وقد تُصاب بكدمات بسهولة، وتنزف بشكل مفرط بعد الولادة وقد تعاني من آلام في المفاصل إذا كان لديها نزيف داخلي فيها.
شاهد في الفيديو: أسباب مرض نقص الصفائح الدموية، وتشخيصه، وعلاجه | أ.د. عماد عبد المحسن- استشاري أمراض الباطنة وأمراض الدم والمناعة والنزيف والتجلط في مستشفيات أندلسية
كيفية تشخيص مرض الهيموفيليا
عادةً ما يتم تشخيص الهيموفيليا من خلال:
- العلامات الجسدية التي تشير إلى أن الشخص يعاني من مشكلات نزيف غير عادية كالكدمات والأورام الدموية.
- التحقق من التاريخ العائلي للإصابة بالهيموفيليا.
- اختبارات الدم التي تقيس مستويات عوامل التخثر. تساعد هذه الاختبارات على تحديد نوع الهيموفيليا وشدتها.
- الاختبارات الجينية التي تحدد وجود طفرات في جينات F8 أو F9 التي تسبب الهيموفيليا.
قد لا يتم تشخيص الهيموفيليا الخفيفة أو المعتدلة حتى يكبر الأطفال، أو في بعض الأحيان حتى يصبحوا بالغين.
قد تلتئم الإصابات الطفيفة بشكل طبيعي لدى الشخص المصاب بالهيموفيليا الخفيفة؛ لأن نسبة عوامل التخثر كافية للسيطرة على النزيف؛ لذلك، قد لا يتم ملاحظة مشكلة النزيف حتى يخضع الشخص لعملية جراحية أو خلع سن أو تعرضه لحادث أو إصابة كبيرة.
هل لمرض نزف الدم علاج؟
الهيموفيليا حالة تدوم مدى الحياة، ولا يمكن علاجها بشكل دائم، ولكن تهدف العلاجات الحالية للتحكم في النزيف بفاعلية ومنع المضاعفات عن طريق تعويض عوامل التخثر المفقودة إما بتلك المستخلصة من دم متبرع أو الأشكال المصنعة.
عندما يعاني شخص مصاب بالهيموفيليا من نوبة نزيف، فإن العلاج ضروري للمساعدة على تجلط الدم ووقف النزيف. يتضمن العلاج عادةً إعطاء عوامل التخثر عن طريق الحقن.
يحتاج الأشخاص المصابون بالهيموفيليا إلى التعرف إلى علامات النزيف الداخلي وطلب المساعدة الطبية في حال حدوثه.
أدوية لعلاج الهيموفيليا
تُصنف علاجات الهيموفيليا إما وقائية تُستخدم لمنع النزيف خاصةً قبل الإجراءات الجراحية أو الولادة أو قبل خلع الأسنان، أو الأدوية التي تُستخدم بعد حدوث النزيف بالفعل.
تشمل خيارات العلاج المتاحة ما يلي:
- ديسموبريسين: هرمون اصطناعي يطلق عامل التخثر الثامن المخزن في الجسم في مجرى الدم للمساعدة على تجلط الدم. يمكن إعطاؤه كحقنة بطيئة في الوريد أو تحت الجلد، أو كرذاذ أنف، وهو ليس مناسبًا للجميع. إذ يُستخدم لحالات الهيموفيليا الخفيفة وبعض النساء المصابات بأعراض اضطراب النزيف.
- مركّزات عامل التخثر: هي كميات مركزة من عامل التخثر يمكن حقنها مباشرةً في الوريد كإجراء وقائي.
- حمض الترانيكساميك: هو دواء يوقف إذابة الجلطات الدموية بمجرد تكوينها. يمكن أن يساعد على علاج نزيف الفم أو الأنف أو الأمعاء أو بعد عمليات الأسنان، ويُؤخذ في صورة أقراص أو شراب أو غسول للفم.
- جل الفبرين: هو جل طبي مصنوع من الفيبرينوجين والثرومبين، وهما بروتينات في الجسم تساعد الدم على التجلط، ويمكن وضعه مباشرةً على الجرح لوقف النزيف.
- العلاج الهرموني: مثل موانع الحمل الفموية والتي تساعد النساء اللواتي يعانين من نزيف حاد في الدورة الشهرية، يمكن للهرمونات أن تزيد من مستويات العامل الثامن.
- Emicizumab: يعمل هذا الدواء على تقليل أو منع تكرار نوبات النزيف لدى المصابين بالهيموفيليا A ويُؤخذ كحقن تحت الجلد.
ما هي مضاعفات مرض الهيموفيليا؟
النزيف المفرط وسهولة الكدمات من أهم المضاعفات التي ترتبط بالهيموفيليا. لا ينزف الشخص المصاب بالهيموفيليا بسرعة أكبر من الآخرين، لكنه قد ينزف لفترة أطول قبل أن يتمكن الجسم من تكوين جلطة. يعتمد مدى النزيف على مدى شدة الهيموفيليا.
عادةً ما يكون النزيف من الجروح الخارجية غير خطير، ولكن النزيف الداخلي أكثر خطورة على سبيل المثال:
- نزيف في الركبتين أو المرفقين أو مفاصل أخرى قد يحدث دون سبب واضح، ويشعر المريض معه بضيق في المفصل أو ألم وقد يتورم أو يصبح دافئًا ومؤلمًا عند لمسه.
- نزيف في الكلى أو المعدة أو الأمعاء ويكون مصحوبًا بوجود دم في البول أو البراز.
- كدمات كبيرة من النزيف في العضلات الكبيرة.
النزيف في الدماغ
من أخطر مضاعفات الهيموفيليا والذي يمكن أن يحدث بعد صدمة بسيطة أو شديدة في الرأس اعتمادًا على مدى شدة الهيموفيليا.
علامات وأعراض النزيف في المخ هي:
- صداع شديد أو آلام في الرقبة أو تصلب يستمر لفترة طويلة.
- تغيرات سلوكية مفاجئة.
- تغيرات في الرؤية.
- التشنجات أو النوبات.
- القيء المتكرر.
- النعاس.
- ضعف مفاجئ في الذراعين أو الساقين.
قد تحدث مضاعفات من علاج الهيموفيليا تشمل تطوير أجسام مضادة للعلاجات والجلطات الدموية.
كيفية الوقاية من الإصابة بمرض مرض نزف الدم
لا يمكن الوقاية من الإصابة بالهيموفيليا؛ لأنها تحدث نتيجة طفرة جينية، وقد يجري الطبيب اختبارات جينية للأطفال المولودين لأسر لديها تاريخ عائلي للهيموفيليا؛ لمعرفة ما إذا كانوا مصابين والتعامل مع المرض في وقتٍ مبكر.
ماذا يأكل مريض الهيموفيليا؟
بشكل عام، يحتاج مريض الهيموفيليا للحفاظ على مستويات الدم الصحية، لذا يحتاج إلى الفيتامينات والمعادن وعلى رأسها فيتامينات ج وب6 وب12 وحمض الفوليك والنحاس والحديد.
يُوصى لمريض الهيموفيليا فيما يخص النظام الغذائي بما يلي:
- تناول الأطعمة الغنية بالحديد: تساعد هذه الأطعمة على الحفاظ على مستوى الهيموجلوبين في الدم، للوقاية من مخاطر الأنيميا مع النزيف المتكرر. تشمل مصادر الحديد البروتين الحيواني والخضراوات الورقية الداكنة والتفاح والبنجر غيرها.
- إدراج فيتامين "ج" في النظام الغذائي: إذ يحتاجه الجسم لامتصاص الحديد كما يساعد على تقوية الأوعية الدموية.
- تناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم: بمرور الوقت، قد يعاني الأشخاص المصابون بالهيموفيليا من مشكلات في صحة العظام بسبب نزيف المفاصل، ويساعد تناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم على بناء عظام قوية وتجنب الإصابة بمشكلات الهشاشة والتي مع الهيموفيليا قد تسبب تدهور حالة العظام. يمكن الحصول على الكالسيوم من منتجات الألبان أو المكسرات وفواكه مثل البرتقال.
- الأطعمة الغنية بفيتامين ك: فيتامين ك ضروري لتجلط الدم. يساعد هذا الفيتامين على إنتاج أحد عوامل تخثر الدم الذي يُسمى البروثرومبين. تساعد الأطعمة الغنية بفيتامين K الأشخاص المصابين بالهيموفيليا على السيطرة على نوبات النزيف المفرطة، وتشمل البروكلي والسبانخ والملفوف والشاي الأخضر والشوفان وزيت الزيتون.
- شرب كمية وفيرة من الماء.
- التركيز على تناول الحبوب الكاملة، مثل: الشوفان ومنتجات القمح الكامل.
الدهون الصحية، مثل: تلك الموجودة في الأفوكادو والمكسرات وزيت الزيتون.
في النهاية فإن مرض الهيموفيليا هو اضطراب يمكن التعايش معه طالما أن المريض يعي جيدًا حالته، ويعرف كيفية التصرف في حالة حدوث نزيف خارجي أو ظهور أعراض تدل على نزيف داخلي، ومن المهم أن يتعلم المحيطون به كيفية العناية به خاصةً لو كان طفلًا أو كبير في السن، ويجب اتباع تعليمات الطبيب واتخاذ الإجراءات الوقائية لتجنب نوبات النزيف الشديدة.
الأسئلة الشائعة
ما هي التحاليل المطلوبة للتأكد من التشخيص بالهيموفيليا؟
هل يمكن لمرضى الهيموفيليا صيام رمضان؟
مشاركة المقال