ما هو فيروس جدرى القرود؟ وكيف ينتشر وما طرق علاجه؟

أصبح انتشار أخبار الفيروسات والأوبئة ليس مثيرًا للدهشة أو مفاجئًا كما كان الأمر من قبل، فعلى مدار السنوات الأخيرة سمعنا عن إنفلونزا الطيور، والسارس، ومؤخرًا كان لجائحة كورونا النصيب الأكبر، والتي استمرت عدة سنوات مع كّم إصابات هائلة، حتى ظهر على الساحة مصطلح جدري القرود، وربما يبدو غريبًا أو أنه مرض يصيب القردة فقط، لكن دعونا نتعرف معًا ماهية هذا الفيروس الجديد وكيف ينتقل وما مخاطره، فلا تتوقفوا هنا وواصلوا قراءة السطور التالية.

ما هو جدري القرود؟

في 14 أغسطس 2024، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن زيادة حالات الإصابة بجدري القرود في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأجزاء من أفريقيا تشكل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا.

وقبل أن نتحدث عن المرض وأعراضه دعونا نعود إلى الوراء لنعرف كيف بدأ مرض جدري القرود ولماذا سُمي بهذا الاسم.

تم اكتشاف جدري القرود لأول مرة في عام 1958 عندما ظهر على القرود التي كانت تُستخدم من أجل الأبحاث العلمية أعراض شبيهة بالجدري، ومن هنا جاء اسم "جدري القرود" أو Monkeypox وتغيرت فيما بعد التسمية إلى الإمبوكس Mpox، وفي بعض الأحيان يُطلق عليه أيضًا جدري النسنانس.

تم تسجيل أول حالة إصابة بشرية بجدري القرود في عام 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي انتشرت لاحقًا إلى دول أخرى في وسط وغرب إفريقيا. هناك نوعان معروفان من الفيروس، عادةً ما تسبب السلالة الأولى أعراضًا أكثر شدة.

الآن حان وقت الإجابة عن السؤال الأكثر شيوعًا حول هذا المرض وهو من أين يأتي مرض جدري القردة؟

جدري القرود هو مرض فيروسي نادر يصيب الحيوانات في الأساس، ويسببه فيروس ينتمي إلى عائلة فيروسات الجدري. يظهر المرض في صورة طفح جلدي وأعراض مشابهة للإنفلونزا وأعراض الجدري المائي ولكن بدرجة أقل شدة.  

كيف يبدأ جدري القرود؟

قد يكون تشخيص جدري القرود صعبًا لأنه لا تُوجد طريقة موحدة لظهوره أولاً. ففي الوقت الذي يعاني فيه بعض الأشخاص من أعراض تشبه الأنفلونزا قبل ظهور الطفح الجلدي، قد يلاحظ آخرون ظهور الطفح الجلدي أولاً ثم يشعرون بأعراض تشبه الأنفلونزا لاحقًا، أو لا يشعرون بها على الإطلاق.

قد يظهر طفح جدري القرود بشكل واضح أو قد يشعر المصاب بألم ولا يتمكن من رؤية الطفح يعتمد الأمر على مكان ظهور البثور الجلدية، فقد لا يظهر الطفح بشكل واضح في أماكن مثل الفم أو داخل الشرج أو الأعضاء التناسلية.

باختصار، لا يمكن القول أنه توجد طريقة واحدة يبدأ بها جدري القرود في الظهور.

ما أعراض جدري القرود؟

بعد التعرض لفيروس جدري القرود، تكون فترة الحضانة المتوسطة من أسبوع إلى أسبوعين قبل ظهور الأعراض.  

تتضمن العلامات المبكرة لجدري القرود الأعراض الشبيهة بالإنفلونزا ومنها:

• قشعريرة ورعشة.
• إرهاق.
• حمى.
• صداع.
• آلام في العضلات والظهر.
• تضخم الغدد الليمفاوية في الرقبة أو الإبطين أو الفخذ.
• التهاب المستقيم، على سبيل المثال الألم أو النزيف من فتحة الشرج.

عادةً ما يتبع هذه الأعراض ظهور طفح جلدي.

كيف هو شكل حبوب جدري القرود؟  

نعود مرة أخرى إلى تساؤلاتكم حول جدري القرود، ونجيب عن تساؤل مهم أيضًا وهو كيف تكون شكل حبة جدري القرود؟ وسنحاول توضيح شكلها حتى يمكنكم تمييزها عن الطفح العادي أو الحالات الجلدية المماثلة لكن نؤكد عليكم ضرورة استشارة الطبيب فهو الوحيد القادر على تشخيص الحالة بدقة.

قد يبدو الطفح الجلدي لجدري القرود مثل البثور ويمكن أن يكون مؤلمًا. يمكن أن تظهر حبوب جدري القرود على الوجه، وفي الفم، وعلى اليدين، والقدمين، والصدر، والأعضاء التناسلية، أو فتحة الشرج.  

يُصاب بعض الأشخاص بالطفح الجلدي أولاً، ثم يتبعه أعراض أخرى تشبه الإنفلونزا، بينما يعاني البعض الآخر من طفح جلدي فقط.

يمر الطفح الجلدي بمراحل مختلفة، بما في ذلك ظهور نتوءات تشبه البثور والتي تتقشر وتتساقط قبل أن تلتئم تمامًا. عادةً ما يستمر الطفح الناجم عن جدري القرود مدة تتراوح بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع.

قد يبدأ الطفح الجلدي على اللسان وفي الفم والوجه أو في منطقة الأعضاء التناسلية وقد يبدأ من منتصف الجسم أو الوجه والرأس ثم ينتقل إلى الأطراف، ويبدأ عادةً في الظهور خلال 1 إلى 5 أيام من ظهور أعراض أخرى.

ما شكل جدري القرود في مراحله المختلفة؟

يمر طفح الجدري بأربع مراحل:

• بقع مسطحة.
• بقع مرتفعة.
• بثور (مليئة بالسوائل الملونة).
• تقشر البثور وجفافها.

تبدأ البثور مسطحة ثم تصبح بارزة، وتمتلئ بالصديد وتظل هكذا مدة 5-7 أيام قبل أن تتقشر. عادةً ما تتشكل القشور على البثور بحلول نهاية الأسبوع الثاني وتبقى مدة أسبوع آخر تقريبًا قبل أن تتساقط القشور تمامًا.

كيف ينتقل جدري القرود؟

يكون الشخص المصاب معديًا من بداية ظهور الأعراض الشبيهة بالأنفلونزا حتى تتساقط جميع القشور وتظهر طبقة جديدة من الجلد، قد يستغرق هذا عدة أسابيع.

ينتشر مرض الجدري عند الاتصال بحيوان أو شخص مصاب بالفيروس. يحدث انتقال العدوى بين الأشخاص من خلال:

• ملامسة الطفح الجلدي أو البثور أو القروح على جلد الشخص المصاب.
• سوائل الجسم، بما في ذلك قطرات الجهاز التنفسي من السعال أو العطس (يحدث هذا إذا كان هناك اتصال وجهًا لوجه مع المصاب فترة طويلة).
• الأشياء الملوثة مثل الملابس والمناشف.
• الاتصال الجسدي في أثناء ممارسة العلاقة الحميمة، في هذه الحالة يكون الطفح الجلدي هو وسيلة الانتقال.
• المشيمة في أثناء الحمل من الأم إلى الجنين.

ما هي أسباب جدري القرود؟

كما ذكرنا فإن فيروس جدري القرود MPOX هو السبب وراء العدوى، وينتقل كما أشرنا أيضًا بسبب الاتصال الوثيق مع شخص أو حيوان مصاب وغيرها من الطرق.  

تزداد مخاطر الإصابة بعدوى جدري القردة في الحالات التالية:

• الأشخاص الذين كانوا على اتصال جسدي وثيق بحالة مصابة بفيروس MPOX.
• المسافرون إلى بلدان بها حالات مؤكدة.
• الرضع والصغار.
• الحوامل.
• المصابون بضعف المناعة.

كيف يمكن تشخيص جدري القرود؟

لأن جدري القرود غير منتشر، فإن الطبيب قد يشتبه في البداية في إصابة المريض بحالات أخرى تسبب الطفح الجلدي مثل: الحصبة وجدري الماء، لكن تضخم الغدد الليمفاوية من الأعراض المميزة لجدري القرود.

سيأخذ الطبيب عينة من القرح المفتوحة ليرسلها إلى المعمل لإجراء تحليل الـ PCR، وقد يحتاج أيضًا إلى أخذ عينة دم لفحص الأجسام المضادة لفيروس جدري القرود.

ما هو علاج جدري القرود؟

لا تُوجد علاجات مضادة للفيروسات معتمدة حاليًا لـ mpox. إذا كان المصاب مريضًا للغاية فإن الطبيب سيصف أدوية مضادة للفيروسات والتي تعالج حالات عدوى فيروسية أخرى مثل الجدري المائي مثل:

• سيدوفوفير.
• تيكوفيريمات.

لا يُعرف بعد مدى فعالية هذه الأدوية في علاج جدري القرود، ولكنها الخيار المتاح الآن.

إلى جانب الأدوية المضادة للفيروسات فإن الطبيب قد يصف مسكنات للألم مثل:

• بروفين (إيبوبروفين).
• بنادول (باراسيتامول).

قد يوصي الطبيب أيضًا بالدهانات الموضعية التي تحتوي على أكسيد الزنك لتخفيف الحكة ومضادات الهيستامين مثل مثل:

• كالاميل لوسيون.
• هايديرم لوسيون.
• زيرتك أقراص أو شراب.

علاج جدري القرود في المنزل 

سواء كنت تعتني بنفسك في أثناء الإصابة بجدري القرود أو لديك من يعتني بك، فمن المهم أن تأخذ أنت وهو الاحتياطات اللازمة لمنع انتشار العدوى ومنها:

• ارتداء كمامة لتغطية الفم والأنف.
• استخدام أدوات خاصة في تناول الطعام وعدم مشاركتها مع أي شخص.
• عدم مشاركة باقي أفراد الأسرة المناشف أو الملابس.

قد تساعدك أيضا الخطوات التالية على علاج جدري القرود في المنزل وتخفيف أعراضه:

• تناول المسكنات التي لا تحتاج إلى وصفة طبية مثل الأسيتامينوفين.
• تغطية الطفح الجلدي بملابس قطنية.
• تناول الملينات في حالة وجود طفح بمنطقة الشرج لتجنب الإمساك الذي قد يزيد الأمر سوءًا.
• تجنب خدش أو تقشير البثور حتى بعد جفافها وتركها حتى تسقط من تلقاء نفسها.
• غسل اليدين كثيرًا بالماء والصابون في حال ملامسة الطفح الجلدي (سواء المريض أو الشخص الذي يعتني به). إذا كان لديك طفح جلدي على يديك، فكن حذرًا عند غسل أو استخدام المطهر حتى لا تهيج الطفح الجلدي
• عمل كمادات من منقوع الشوفان باستخدام قطعة نظيفة من القطن الناعم لتخفيف الحكة وتهدئة الجلد.
• الجلوس في حمام مائي دافئ في حال وجود طفح في الشرج أو الأعضاء التناسلية أو المناطق القريبة.
• تجنب حلق منطقة العانة في حال وجود بثور فيها.
• تناول أطعمة صحية سهلة الهضم، والإكثار من الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة لمحتواها العالي من الألياف، والتي تساعد على تجنب الإمساك.
• شرب كمية وفيرة من الماء.
• المضمضة بالماء المالح بعد استشارة الطبيب في حال وجود بثور في الفم.
• العزلة طوال مدة حضانة الفيروس لوقف انتشاره وتجنب مغادرة المنزل إلا في الضرورة، مع البقاء على بعد 3 خطوات (متر واحد) من الأشخاص الذين تعيش معهم في حال اضطررت للتواصل معهم.
• الامتناع عن ممارسة العلاقة الحميمة طوال فترة الحضانة.

 كيف يمكن الوقاية من جدري القرود؟

إذا كنت معرضًا لخطر الإصابة بجدري القرود سواء بسبب وجودك في دولة تنتشر فيها العدوى أو إصابة أحد المحيطين أو بسبب ضعف مناعتك، فإليك هذه الخطوات لتقي نفسك من الإصابة:

تجنب الاتصال مع حيوانات خارج المنزل.  

• تجنب مخالطة المرضى.
• عدم استخدام الأدوات الشخصية أو الملابس الخاصة بالآخرين.
• ارتداء الكمامة في المناطق المزدحمة.
• طهي الأطعمة التي تحتوي على لحوم جيدًا.
• غسل اليدين بشكل متكرر بالماء والصابون.
• تنظيف وتطهير الأسطح التي يتم لمسها بشكل متكرر.
• تغطية الوجه والأيدي والجسم عند رعاية شخص مصاب بالفيروس.

لقاح جدري القرود

يتوافر نوعان من لقاحات Mpox مرخصان من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA) للوقاية من جدري القرود، وهما:

• Jynneos: هو لقاح من جرعتين (يفصل بينهما أربعة أسابيع)، وهو فعال بنسبة تصل إلى 85٪ في الوقاية من mpox بعد جرعتين، ويوصى به لمن هم في خطر متزايد من التعرض لفيروس جدري القرود.
• ACAM2000: وهو لقاح الجدري المائي ويُستخدم للوقاية من فيروس جدري القرود، مع ذلك فإنه ليس الخيار الأفضل، إذ قد يسبب مشكلات خطيرة لمن يعانون من ضعف في المناعة.

لا يُنصح حاليًا بلقاحات Mpox إلا للأشخاص الذين تعرضوا لجدري القرود أو من المحتمل أن يتعرضوا له.

ما الذي يجب وضعه على قروح جدري القرود؟

لا يجب وضع ضمادات لاصقة على البثور، لأن ذلك يزيد الأمر سوءًا، يمكن استخدام شاش الفازلين على البثور أسفل الملابس في حالة الاضطرار للخروج حتى لا تحتك بالملابس وتسبب ضيقًا للمريض.

• يمكن وضع مستحضرات أكسيد الزنك مثل لوشن الكالاميل لتقليل الحكة وتهدئة الجلد.
• لا يجب خدش البثور بأي حال من الأحوال فهذا لا يسرع الشفاء ويمكن أن ينشر الفيروس إلى أجزاء أخرى من الجسم، ويزيد من فرصة انتشار الفيروس إلى الآخرين، وقد يتسبب في إصابة البثور المفتوحة بالعدوى.
• لا تحلق المنطقة المصابة بالطفح الجلدي حتى تسقط القشور وتتكون طبقة جديدة من الجلد. يمكن أن تؤدي الحلاقة إلى انتشار الفيروس والتسبب في المزيد من البثور.
• حافظ على نظافة وجفاف الطفح الجلدي عند عدم الاستحمام أو الاغتسال.

ما هي مضاعفات عدوى فيروس جدري القرود؟

تتضمن مضاعفات mpox الجفاف الشديد الناتج عن القيء أو الإسهال، خاصةً إذا لم يتمكن المريض من شرب كمية كافية من الماء بسبب تقرحات الفم.

تتضمن المضاعفات الخطيرة الأخرى لـ mpox العدوى الثانوية مثل:

• التهاب النسيج الخلوي (عدوى الجلد).
• الالتهاب الرئوي (عدوى الرئة).
• الإنتان الناجم عن تعفن الدم وهو حالة خطيرة ومهددة للحياة.
• التهاب الدماغ (هو أحد المضاعفات النادرة ولكنه خطير، ولا يُعرف بعد ما إذا كان التهاب الدماغ المرتبط بجدري القرود يحدث نتيجة لإصابة أنسجة المخ بالفيروس، أو بسبب استجابة مناعية مفرطة تسبب تورم المخ).
• عدوى القرنية وتندب العين وفقدان البصر.

مع ذلك، فإن هذه المضاعفات نادرة للغاية ويتعافى معظم الأشخاص من جدري القرود دون مشكلات، والشيء الوحيد الذي يحتاج المريض أن يضعه في حسبانه هو أن القروح الجلدية الكبيرة قد تترك ندبات بعد شفائها.  

حاولنا من خلال مقالنا اليوم أن نقدم لكم أحدث المعلومات عن جدري القرود، ونطمئنكم أن الحالة لم تنتشر، كما أنها عدوى فيروسية يمكن علاجها بالالتزام بالتعليمات المطلوبة والمتابعة الطبية، فلا داعِ للقلق، وتذكروا دائمًا خطوات قليلة من الوقاية، ستوفر عليكم طريقًا طويلًا من العلاج.