ماذا تعرف عن أمراض المناعة الذاتية؟
يلعب الجهاز المناعي دور الحارس الأمين لأجسامنا، فهو المسؤول عن حمايتنا من مختلف أنواع البكتيريا والجراثيم التي تحيط بنا من كل زاوية. هل تخيلت يومًا إذا اختلط الأمر على هذا الحارس، وبدأ في مهاجم أفراد عائلته عوضًا عن الأغراب؟! هذا ما يحدث حال إصابتنا بأحد أمراض المناعة الذاتية. فما المقصود بهذه الأمراض، وما أنواع أمراض المناعة الذاتية، هذا ما سنوضحه في المقال التالي.
بدايةً، ما وظيفة جهاز المناعة؟
يبحث جهاز المناعة باستمرار على أي جسم غريب متطفل اخترق أجسامنا، وما أن يعثر عليه حتى يبدأ في الإمساك به ومهاجمته والتخلص منه في سلسلة مترابطة متناغمة بين أعضاء جهاز المناعة المختلفين.
لا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل أن جهاز المناعة يحتفظ بمعلومات عن كل جسم غريب هاجمنا ذات مرة، حتى إذا تكرر الهجوم في مراتٍ لاحقة، يستطيع جهاز المناعة القضاء عليه بشكل أسرع.
أعضاء جهاز المناعة:
يعمل العديد من الأعضاء على حمايتنا، يأتي على رأسهم:
- خلايا الدم البيضاء.
- الأجسام المضادة.
- الجهاز اللمفاوي.
- الطحال.
- نخاع العظم.
- نظام المتممات وهو نظام يحتوي على 20 نوع من البروتينات التي تشارك في الحماية.
- الغدة الزعترية.
ما المقصود بأمراض المناعة الذاتية؟
يوجد أكثر من 80 نوع من أمراض المناعة الذاتية. تظهر تلك الأمراض عندما يبدأ جهاز المناعة في مهاجمة أعضاء الجسم عن طريق الخطأ، والتعامل معهم على أنهم أعداء.
يمكن أن تصيب هذه الأمراض عضو واحد من الجسم مثل الإصابة بداء السكري من النوع الأول الذي يهاجم فيها جهاز المناعة خلايا البنكرياس. أو مهاجمة الجسم كاملًا مثل مرض الذئبة الحمراء.
ما أسباب الإصابة بأمراض المناعة الذاتية؟
لا يمكن الجزم بسبب محدد يمكنه أن يؤدي إلى الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، لكن الأكيد أن أمراض المناعة الذاتية أمراض غير مُعدية لا يمكنها الانتقال من شخصٍ لأخر.
يوجد بعض العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة منها:
- وجود تاريخ وراثي للإصابة بواحد من أمراض المناعة الذاتية، إذ تلعب الجينات دورًا في انتشارها بين أفراد الأسرة، ليس حتميًا أن يكون المرض ذاته ولا أن يعاني كل فرد من أفراد الأسرة بالضرورة من المرض ذاته.
- التدخين.
- زيادة الوزن.
- النوع، إذ ترتفع احتمالية إصابة السيدات عن الرجال.
- بعض أنواع الأدوية التي تعالج ارتفاع ضغط الدم، والمضادات الحيوية.
- التعرض لبعض العوامل البيئية مثل المواد الكيماوية.
- الإصابة بعدوى مسبقة.
- الاعتماد على نظام غذائي مرتفع الدهون والسكر، والأطعمة المصنعة.
ما أعراض الإصابة بأمراض المناعة الذاتية؟
تتفاوت الأعراض اعتمادًا على الجزء المصاب، كما أن الأعراض تختلف بشكل عام من شخصٍ لآخر حتى لو كان الاثنان يعانون من المرض ذاته.
تمر أعراض أمراض المناعة الذاتية بفترات من الشدة يعقبها فترات من الهدوء في ما يعرف بالنوبات، فهي لا تسير بوتيرة واحدة معظم الوقت.
يوجد أعراض مبكرة قد تشير إلى الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، لكنها ليست علامات أكيدة إذ يمكن أن تسبب العديد من الأمراض الأخرى هذه الأعراض.
أعراض الإصابة بأمراض المناعة الذاتية العامة:
- الشعور بالإعياء المستمر.
- ألم العضلات.
- تورم واحمرار الجلد أو المفاصل.
- ارتفاع طفيف في درجة الحرارة.
- صعوبة التركيز.
- تنميل الأطراف.
- تساقط الشعر.
- طفح الجلد.
- فقدان الوزن.
- عدم انتظام ضربات القلب.
- ضيق التنفس.
تصبح الأعراض بعد ذلك أكثر ارتباطًا بالمرض فنجد مثلا:
1. أعراض الإصابة بأمراض المناعة الذاتية الخاصة بالمفاصل والعضلات
- آلام وتشنجات العضلات.
- تيبس المفاصل وتحريكها بصعوبة.
- ضعف العضلات.
- التهاب المفاصل.
أعراض الإصابة بأمراض المناعة الذاتية الخاصة القناة الهضمية
- الانتفاخ.
- ألم البطن.
- الإمساك.
- الارتجاع.
- الشعور بالغثيان.
- التحسس من بعض أنواع الطعام.
- ظهور دم أو مخاط في البراز.
أعراض الإصابة بأمراض المناعة الذاتية الخاصة بالجلد
- الطفح الجلدي.
- الشعور المستمر بالحكة.
- جفاف العينين.
- تساقط الشعر.
- جفاف الجلد.
- جفاف الفم.
أعراض الإصابة بأمراض المناعة الذاتية الخاصة بالجهاز العصبي
- آلام الرأس.
- الدوار.
- القلق والاكتئاب.
- الارتباك، وعدم القدرة على التركيز.
- تشوش الرؤية.
- الأرق.
- تأثر الذاكرة.
- الصداع النصفي.
- التنميل.
هل تؤثر أمراض المناعة الذاتية على القدرة الإنجابية؟
قد تؤثر أمراض المناعة الذاتية على قدرة بعض السيدات على الحمل بسهولة. كما أن بعض الأمراض المناعية وأدوية علاجها تؤثر على سلامة الجنين.
سيحتاج الأمر إلى التنظيم مع الطبيب المعالج، إذ يجب أن تكون السيدة في حالة استقرار وهدوء قبل البداية في محاولات الحمل. تحتاج بعض السيدات كذلك إلى أدوية منشطة مساعدة.
ما أمراض المناعة الذاتية؟
يوجد عدد كبير من أمراض المناعة الذاتية متجاوزًا ال 80 نوع بل قد يتجاوز ال 100 تصيب أعضاء الجسم المختلفة.
من أشهر هذه الأمراض:
1. السكري من النوع الأول
يهاجم الجهاز المناعي خلايا البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الأنسولين. ينعكس ذلك على مستوى السكر في الدم، فيصبح مرتفعًا مما قد يلحق أضرار بالغة بأعضاء الجسم الأخرى مثل القلب والكُلى والعينين، أو تلف الأوعية الدموية إذا لم يلتزم المريض بالعلاج الدائم بالجرعات الدقيقة.
2. التهاب المفاصل الروماتويدي
ينتج جهاز المناعة أجسامًا مضادة ترتبط بالطبقة المبطنة للمفاصل، ثم تبدأ خلايا الجهاز المناعي في مهاجمتها. قد يبدأ هذا المرض في سن مبكر قرابة الثلاثينات، ويعاني معه المريض من التهاب، واحمرار وتورم المفاصل، إضافة إلى صعوبة الحركة.
قد يؤدي التهاب المفاصل الروماتويدي إلى عجزٍ دائم إذا لم يحرص المريض على العلاج المنظم لمنع تدهور الحالة.
3. الصدفية/ التهاب المفاصل الصدفي
الصدفية مرض مزمن يصيب الجلد نتيجة خلل مناعي. يحفز نشاط الجهاز المناعي خلايا الجلد على التكاثر بسرعة، فتظهر مساحات من الاحمرار تغطيها قشور فضية.
قد تظهر الصدفية على الكوع أو الركبة أو أسفل الظهر، كما يعاني بعض الأشخاص من صدفية فروة الرأس. ينتج ذلك عندما يختل التوازن بين معدل سقوط خلايا الجلد القديمة ونمو الخلايا الجديدة، فتبدأ الخلايا في التراكم بشكل كبير مسببة القشور الفضية.
يمتد الأمر لدى 30% من مرضى الصدفية، فتُصاب مفاصلهم بالالتهاب أو التورم في ما يعرف بالتهاب المفاصل الصدفي.
4. التصلب المتعدد
يحيط غلاف الميالين بالخلايا العصبية لدينا موفرًا لها الحماية، فإذا حدث خللًا مناعيًا ما كما في مرض التصلب المتعدد، وبدأ الجسم في مهاجمة هذا الغلاف نتج عن ذلك تغير في معدل وصول الرسائل العصبية بين الجهاز العصبي المركزي وبقية أعضاء الجسم.
يعاني مريض التصلب اللويحي من أعراض عدة تتفاوت في شدتها، لعل من أهمها:
- شعور بالخدر في أطراف الجسم.
- الضعف وصعوبة الحركة.
- اختلال التوازن والسير.
4. الذئبة الحمراء
كانت الذئبة قديمًا تُصنف كمرضٍ جلدي، لما تتميز به من شكل مميز على الوجه (الفراشة الحمراء)، لكن بعد ذلك ظهرت الذئبة كمرض عضوي أكثر خطورة. تستطيع الذئبة أن تصيب أجزاء مختلفة من الجسم مثل المفاصل، الكلى، القلب، والمخ.
تظهر الإصابة بالذئبة نتيجة وجود الأجسام المناعية المضادة التي يمكن أن تلتصق بالأنسجة في جميع أنحاء الجسم.
يعاني مريض الذئبة من آلام المفاصل والتعب المزمن والطفح الجلدي، ويحتاج المريض إلى جرعات يومية منظمة من الستيرويدات لتثبيط مناعة الجسم.
5. التهاب الأمعاء
يُستخدم لوصف بعض الأمراض التي تتأثر فيها بطانة جدار الأمعاء نتيجة مهاجمة الجهاز المناعي لها، فيعاني المريض من:
- نوبات من الإسهال.
- نزيف شرجي.
- آلام البطن.
- رغبة ملحة في قضاء الحاجة.
- ارتفاع درجة الحرارة.
- فقدان الوزن.
من أمثلة أمراض التهاب الأمعاء:
- داء كرون: يصيب أي جزء من أجزاء الجهاز الهضمي بالتهاب بدايةً من الفم حتى الشرج.
- التهاب القولون التقرحي: يقتصر على بطانة الأمعاء الغليظة والمستقيم.
يمكن علاج هذا المرض بالاعتماد على أدوية مثبطة للمناعة عن طريق الفم أو الحقن.
6. مرض أديسون
يصيب هذا المرض الغدد الكظرية المسؤولة عن إنتاج هرمونات الكورتيزول، والألدوستيرون بالإضافة إلى هرمونات الأندروجين.
يؤدي اختلال هذه الهرمونات إلى تأثيرات سلبية على الجسم كما يلي:
- يؤدي نقص الكورتيزول إلى تغاير في طريقة تعامل الجسم مع الكربوهيدرات والجلوكوز وتخزينه.
يؤدي نقص الألدوستيرون إلى فقدان الصوديوم، وزيادة البوتاسيوم في مجرى الدم.
7. أمراض الغدة الدرقية.
يحدث أن يهاجم جهاز المناعة خلايا الغدة الدرقية فينتج عنها مرض من اثنين:
- مرض جريفز: ينتج الجهاز المناعي أجسامًا مضادة تحفز الغدة الدرقية على إنتاج كميات زائدة من هرمون الغدة الدرقية في الدم. يؤدي وجود الكثير من هذه الهرمونات إلى ظهور أعراض مميزة مثل جحوظ العينين، والانفعال، وزيادة ضربات القلب، وفقدان الوزن، وعدم تحمل الحرارة.
- مرض هاشيموتو: تهاجم الأجسام المضادة خلايا الغدة الدرقية، فيقل إنتاج الهرمونات. تنعكس الأعراض السابقة ويشكو المريض من اكتساب الوزن، وعدم تحمل البرد، والإرهاق، وتساقط الشعر، وتورم الغدة الدرقية، والإمساك، وسوء الحالة المزاجية، وجفاف الجلد.
8. متلازمة شوغرن
يهاجم جهاز المناعة الغدد المسؤولة عن ترطيب الفم والعينين. فيعاني المريض من جفاف شديد بهما. قد تؤثر متلازمة شوغرن على الجلد والمفاصل كذلك.
9. الوهن العضلي الوبيل
يؤدي الخلل في عمل جهاز المناعة إلى ظهور مرض الوهن العضلي المزمن الذي يؤثر على استقبال العضلات للرسائل العصبية التي يصدرها المخ للتحكم في حركة العضلات.
أشهر الأعراض شيوعًا:
- ضعف العضلات خاصةً مع الحركة، وتحسن الوضع مع الراحة.
- تتأثر عضلات المتحكمة في عضلات العين، والجفن، وعضلات البلع بهذا المرض.
11. التهاب الأوعية الدموية المناعي
يهاجم الجهاز المناعي الأوعية الدموية مما يؤدي إلى تضيق الشرايين والأوردة، فتمر كمية أقل من الدم إلى الأعضاء المختلفة. قد يصيب هذا المرض الأوعية المغذية لأي عضو، لذلك فالأعراض تتباين بشكل كبير على حسب العضو المصاب.
يعتمد علاج التهاب الأوعية المناعي في المقام الأول على الأدوية المثبطة للمناعة مثل الستيرويدات.
12. فقر الدم الخبيث
يحتاج الجسم إلى بروتين يعرف باسم العامل الداخلي ليساعد الأمعاء الدقيقة على امتصاص فيتامين ب من الطعام. حينما يتعرض الجسم إلى نقص هذا البروتين نتيجة خلل مناعي يعاني الجسم من نوع من أنواع الأنيميا وتتغير قدرة الجسم على إنتاج الحمض النووي بشكل صحيح.
13. مرض الاضطرابات الهضمية
يعاني أصحاب الاضطرابات الهضمية من عدم القدرة على تناول الطعام الذي يحتوي على الجلوتين مثل منتجات القمح وبعض الحبوب. إذا يثير الجلوتين الجهاز الهضمي، فيبدأ في مهاجمة الأمعاء الدقيقة.
كيف يمكن تشخيص الإصابة بأمراض المناعة الذاتية؟
لا يُعد تشخيص الإصابة بأمراض المناعة الذاتية أمرًا سهلًا بل يحتاج للمرور بالعديد من المراحل حتى الحسم.
يعتمد التشخيص على:
- معرفة تاريخ العائلة المرضي إذا كان أحد الأفراد مصابًا بواحد من أمراض المناعة الذاتية.
- سماع الأعراض التي يشكو منها المريض بدقة، نظرًا لتشابه الأعراض بشكلٍ كبير مع العديد من الأمراض الأخرى.
- يعتمد الأطباء في تشخيصهم على اختبار هام كخطوة أولى وهو اختبار الأجسام المضادة للنواة (ANA).
إذ ظهرت نتيجة الاختبار إيجابية فهذا يعني إصابتك بمرض مناعي ذاتي دون معرفة هذا المرض بالتحديد. يمكن إجراء بعض الاختبارات الأخرى غير المختصة للبحث عن الإصابة بالالتهاب المصاحب عادةً لمعظم الأمراض المناعية.
هل يمكن علاج أمراض المناعة الذاتية؟
لا يوجد علاج نهائي لأمراض المناعة الذاتية، لكن تهدف معظم العلاجات إلى الحفاظ على المريض في حالة استقرار ومحاربة الشعور بالألم والتورم والاحمرار.
أمثلة على الأدوية المُستخدمة في علاج أمراض المناعة الذاتية:
- مسكنات الألم.
- الأدوية المضادة للالتهاب.
- أدوية مضادة لنوبات القلق والاكتئاب.
- حقن الأنسولين.
- أدوية مضادة للأرق.
- الكورتيزون الموضعي في بعض حالات التهاب الجلد والصدفية.
- الكورتيزون عن طريق الفم لتثبيط المناعة.
- الجلوبيولين المناعي عن طريق الوريد.
- الأدوية البيولوجية.
يمكن أن يساعد كذلك تناول طعام صحي موزون قليل السكر، وممارسة الرياضة على التخلص من الالتهاب المصاحب للأمراض المناعية.
ختامًا تتنوع أنواع أمراض المناعة الذاتية، ويحتاج تشخيصها إلى الدمج بين شكوى المريض والعلامات الظاهرة عليه، حتى يصل الطبيب إلى تشخيص دقيق ووصف علاج مناسب، يساعد المريض على استمرار حياته بصورة طبيعية.
مشاركة المقال